فصل: سئل عن الوقف الذي أوقف على الأشراف

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ابن تيمية **


 وسئل ـ رحمه الله ـ عن أوقاف ببلد على أماكن مختلفة، من مدارس، ومساجد، وخوانك، وجوامع، ومارستانات، وربط، وصدقات، وفكاك أسرى من أيدى الكفار، وبعضها له ناظر خاص، وبعضها له ناظر من جهة/ ولي الأمر، وقد أقام ولي الأمر على كل صنف من هذه الأصناف ديوانًا يحفظون أوقافه؛ ويصرفون ريعه في مصارفه، ورأي الناظر أن يفرز لهذه المعاملات مستوفيًا يستوفي حساب هذه المعاملات ـ يعني الأوقاف كلها ـ وينظر في تصرفات النظار والمباشرين، ويحقق عليهم ما يجب تحقيقه من الأموال المصروفة والباقي، وضبط ذلك عنده؛ ليحفظ أموال الأوقاف عند اختلاف الأيدي، وتغيير المباشرين، ويظهر بمباشرته محافظة بعض العمال على فائدة، فهل لولي الأمر أن يفعل ذلك إذا رأى فيه المصلحة أم لا‏؟‏ وإذا صار الآن يفعل ذلك إذا رأي فيه المصلحة، وقرر المذكور، وقرر له معلومًا يسير على كل من هذه لا يصل إلى ريع معلوم أحد المباشرين لها، ودون ذلك بكثير، لما يظهر له من المصلحة فيه، فهل يكون ذلك سائغًا‏؟‏ وهل يستحق المستوفي المذكور تناول ما قرر له أم لا ـ إذا قام بوظيفته‏؟‏ وإذا كانت وظيفته استرجاع الحساب عن كل سنة على حكم أوضاع الكتاب، ووجد ارتفاع حساب سنين أو أكثر، فتصرف وعمل فيه وظيفته‏:‏ هل يستحق معلوم المدة التي استرجع حسابهم فيها وقام بوظيفته بذلك الحساب‏؟‏

فأجاب‏:‏

نعم، لولي الأمر أن ينصب ديوانًا مستوفيًا لحساب الأموال الموقوفة عند المصلحة، كما له أن ينصب الدواوين مستوفيًا لحساب الأموال السلطانية، كالفيء وغيره، وله أن يفرض له على عمله ما يستحقه مثله، / من كل مال يعمل فيه بقدر ذلك المال، واستيفاء الحساب، وضبط مقبوض المال، ومصروفه من العمل الذي له أصل؛ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَالْعَامِلِينَ عليها‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 60‏]‏، وفي الصحيح‏:‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل رجلاً على الصدقة، فلما رجع حاسبه‏.‏ وهذا أصل في محاسبة العمال المتفرقين، والمستوفي الجامع نائب الإمام في محاسبتهم، ولابد عند كثرة الأموال ومحاسبتهم من ديوان جامع‏.‏

ولهذا لما كثرت الأموال على عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ وضع ‏[‏الدواوين‏]‏ ديوان الخراج، وهو ديوان المستخدمين على الارتزاق، استعمل عليه عثمان بن حُنيف‏.‏ وديوان النفقات، وهو ديوان المصروف على المقاتلة والذرية الذي يشبه في هذه الأوقات ديوان الحبس والثبوتات ونحو ذلك، واستعمل عليه زيد بن ثابت‏.‏

وكذلك الأموال الموقوفة على ولاة الأمر من الإمام والحاكم ونحوه إجراؤها على الشروط الصحيحة الموافقة لكتاب الله، وإقامة العمال على ما ليس عليه عامل من جهة الناظر‏.‏ والعامل في عرف الشرع يدخل فيه الذي يسمي ناظرًا، ويدخل فيه غير الناظر لقبض المال ممن هو عليه صرفه ودفعه إلى من هو له؛ لقوله‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 58‏]‏‏.‏ ونصب المستوفي الجامع للعمال المتفرقين بحسب الحاجة والمصلحة، وقد يكون واجبًا إذا لم تتم مصلحة قبض المال وصرفه إلا به، فإن ما لا/ يتم الواجب إلا به فهو واجب، وقد يستغني عنه عند قلة العمل ومباشرة الإمام للمحاسبة بنفسه، كما في نصب الإمام للحاكم، عليه أن ينصب حاكمًا عند الحاجة والمصلحة، إذا لم تصل الحقوق إلى مستحقها، أو لم يتم فعل الواجب وترك المحرم إلا به، وقد يستغني عنه الإمام إذا أمكنه مباشرة الحكم بنفسه‏.‏

ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يباشر الحكم واستيفاء الحساب بنفسه، وفيما بعد عنه يولي من يقوم بالأمر، ولما كثرت الرعية على عهد أبي بكر وعمر والخلفاء استعملوا القضاة ودونوا الدواوين في أمصارهم وغيرها، فكان عمر يستنيب زيد بن ثابت بالمدينة على القضاء والديوان، وكان بالكوفة قد استعمل عمار بن ياسر على الصلاة والحرب، مثل نائب السلطان، والخطيب، فإن السنة كانت أنه يصلى بالناس أمير حربهم، واستعمل عبد الله بن مسعود على القضاء وبيت المال، واستعمل عثمان بن حُنيف على ديوان الخراج‏.‏

وإذا قام المستوفي بما عليه من العمل استحق ما فرض له، والجعل الذي ساغ له فرضه، وإذا عمل هذا ولم يعط جعله، فله أن يطلب على العمل الخاص، فإن ما وجب بطريق المعاملة يجب‏.‏

/ وسئل عن رجل استأجر قطع أرض وقف، وغرس فيها غراسًا وأثمر، ومضت مدة الإيجار؛ فأراد نظار الوقف قلع الغراس، فهل لهم ذلك‏؟‏ أو أجرة المثل‏؟‏ وهل يثاب ولي الأمر على مساعدته‏؟‏

فأجاب‏:‏

ليس لأهل الأرض قلع الغراس، بل لهم المطالبة بأجرة المثل أو تملك الغراس بقيمته، أو ضمان نقصه إذا قلع، وما دام باقيًا فعلى صاحبه أجرة مثله، وعلى ولي الأمر منع الظالم من ظلمه‏.‏ والله أعلم ‏.‏

 وسئل ـ رحمه الله ـ عن رجل متولي إمامة مسجد وخطابته، ونظر وقفه من سنين معدودة، بمرسوم ولي الأمر، وله مستحق بحكم ولايته الشرعية، فهل لنظار وقف آخر أن يضعوا أيديهم على هذا الوقف، أو يتصرفوا فيه بدون هذا الناظر، وأن يصرفوا مال المسجد المذكور في غير جهته، أو يمنعوا ما قدر له على ذلك‏؟‏ ولو قدر أن هذا الوقف كان في ديوان أولئك من مدة، ثم /أخرجه ولي الأمر، وجعله للإمام الخطيب، فهل لهم ذلك ـ والحالة هذه ـ أن يتصرفوا فيه ويمنعوه التصرف مع بقاء ولايته‏؟‏ وهل إذا تصرف فيه متعد وصرف منه شيئا إلى غيره مع حاجة الإمام وقيام المصالح، وأصر على ذلك ـ والحالة هذه ـ يقدح في دينه وعدالته أم لا‏؟‏

فأجاب‏:‏

ليس لناظر غير الناظر المتولي هذا الوقف أن يضع يده عليه ولا يتصرف فيه بغير إذنه، لا نظار وقف آخر ولا غيرهم، سواء كانوا قبل ذلك متولين نظره أو لم يكونوا متولين نظره، ولا لهم أن يصرفوا مال المسجد في غير جهاته التي وقف عليها ـ والحال ما ذكر ـ بل يجب أن يعطي الإمام وغيره ما يستحقونه كاملاً، ولا ينقصون من مستحقهم لأجل أن يصرفوا الفاضل إلى وقف آخر؛ فإن هذا لا نزاع في أنه لا يجوز، وإنما تنازع العلماء في جواز صرف الفاضل، ومن جوزه، فلم يجوز لغير الناظر المتولي أن يستقل بذلك، ومن أصر على صرف مال لغير مستحقه ومنع المستحق قدح في دينه وعدالته‏.‏

/ وسئل ـ رحمه الله ـ على واقف وقف على فقراء المسلمين، فهل يجوز لناظر الوقف أن يصرف جميع ريعه إلى ثلاثة ـ والحالة هذه ـ أم لا‏؟‏ وإن جاز له أن يصرف إلى ثلاثة، وكان من أقارب الواقف فقير ـ ثبت فقره واستحقاقه للصرف إليه من ذلك ـ فهل يجوز الصرف إليه عوضًا عن أحد الثلاثة الأجانب من الواقف‏؟‏ وإذا جاز الصرف إليه، فهل هو أولى من الأجنبيين المصروف إليهما‏؟‏ وإذا كان أولي، فهل يجوز للناظر أن يصرف إلى قريب الواقف المذكور قدر كفايته من الوقف ـ والحالة هذه‏؟‏ وإذا جاز له ذلك، فهل يكون فعله ذلك أولى وأفضل من أن ينقص من كفايته ويصرف ذلك القدر إلى الأجنبي ـ والحالة هذه‏؟‏

فأجاب‏:‏

الحمد لله، يجب على ناظر الوقف أن يجتهد في مصرفه، فيقدم الأحق فالأحق، وإذا قدر أن المصلحة الشرعية اقتضت صرفه إلى ثلاثة مثل ألا يكفيهم أقل من ذلك، فلا يدخل غيرهم من الفقراء، وإذا كفاهم وغيرهم من الفقراء يدخل الفقراء معهم، ويساويهم مما يحصل من ريعه، وهم أحق منه عند التزاحم، ونحو ذلك‏.‏ وأقارب/ الواقف الفقراء أولى من الفقراء الأجانب مع التساوي في الحاجة، ويجوز أن يصرف إليه كفايته إذا لم يوجد من هو أحق منه، وإذا قدر وجود فقير مضطر كان دفع ضرورته واجبًا، وإذا لم يندفع إلا بتنقيص كفاية أولئك من هذا الوقف من غير ضرورة تحصل لهم تعين ذلك‏.‏ والله أعلم‏.‏

 وسئل ـ رحمه الله ـ عن رجل ولي ذا شوكة على وقف من مساجد وربط وغير ذلك، اعتمادًا على دينه، وعلما بقصده للمصلحة، فعند توليته ـ وجد تلك الوقوف على غير سنن مستقيم، ويتعرض إليها ـ كره مباشرتها؛ لئلا يقع الطمع في مالها، وغير ملتفتين إلى صرفها في استحقاقها، وهم مثل القاضي، والخطيب، وإمام الجامع، وغير ذلك، فإنهم يأخذون من عموم الوقف، وهو مع هذا عاجز عن صد التعرض عنها، ومع اجتهاده فيها ومبالغته، فهل يحل للسائل عزل نفسه عنها، وعن القيام بما يقدر عليه من مصالحها، مع العلم بأنه بأجرة يكثر التعرض فيها، والطمع في مالها‏؟‏

وهل يحل له تناول أجرة عمله منها مع كونه ذا عائلة، وعاجز عن تحصيل قوتهم من غيرها‏؟‏ وهل يحل للناظر إذا وجـد مكانًا خربًا أن يصرف/ ماله في مصلحة غيره عند تحققه بأن مصلحته ما يتصور أن تقوم بعمارته‏؟‏ وهل إذا فضل عن جهته شيء من ملكها صرفه إلى مهم غيره، وعمارة لازمة يمكن أن تحفظه لكثرة التعرض إليه أم لا‏؟‏

فأجاب‏:‏

أصل هذه إنما أوجبه الله من طاعته وتقواه مشروط بالقدرة، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ‏}‏ ‏[‏التغابن‏:‏ 16‏]‏، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم‏)‏؛ ولهذا جاءت الشريعة عند تعارض المصالح والمفاسد بتحصيل أعظم المصلحتىن بتفويت أدناهما، وباحتمال أدني المفسدتين لدفع أعلاهما، فمتى لم يندفع الفساد الكبير عن هذه الأموال الموقوفة ومصارفها الشرعية إلا بما ذكر ـ من احتمال المفسدة القليلة ـ كان ذلك هو الواجب شرعًا‏.‏

وإذا تعين ذلك على هذا الرجل، فليس له ترك ذلك إلا مع ضرر أوجب التزامه، أو مزاحمة ما هو أوجب من ذلك، وله بإجماع المسلمين مع الحاجة تناول أجرة عمله فيها، بل قد جوزه من جوزه مع الغني ـ أيضا، كما جوز الله ـ تعالى ـ للعاملين على الصدقات الأخذ مع الغني عنها‏.‏

وإذا خرب مكان موقوف، فتعطل نفعه بيع وصرف ثمنه في نظيره، أو نقلت إلى نظيره، وكذلك إذا خرب بعض الأماكن الموقوف عليها / ـ كمسجد ونحوه ـ على وجه يتعذر عمارته، فإنه يصرف ريع الوقف عليه إلى غيره، وما فضل من ريع وقف عن مصلحته صرف في نظيره، أو مصلحة المسلمين من أهل ناحيته، ولم يحبس المال دائمًا بلا فائدة، وقد كان عمر بن الخطاب كل عام يقسم كسوة الكعبة بين الحجيج، ونظير كسوة الكعبة المسجد المستغني عنه من الحصر ونحوها، وأمر بتحويل مسجد الكوفة من مكان إلى مكان، حتى صار موضع الأول سوقًا‏.‏

 وسئل ـ رحمه الله ـ عن الوقف الذي أوقف على الأشراف ويقول‏:‏ إنهم أقارب‏:‏ هل الأقارب شرفاء أم غير شرفاء‏؟‏ وهل يجوز أن يتناولوا شيئا من الوقف أم لا‏؟‏

فأجاب‏:‏

الحمد لله، إن كان الوقف على أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، أو على بعض أهل البيت، كالعلويين، والفاطميين، أو الطالبيين الذين يدخل فيهم بنو جعفر، وبنو عقيل، أو على العباسيين ونحو ذلك، فإنه لا يستحق من ذلك إلا من كان نسبه صحيحًا ثابتًا، فأما من ادعي أنه منهم ولم يثبت أنه منهم، أو علم أنه ليس منهم، فلا يستحق من هذا الوقف وإن ادعي أنه منهم، كبني عبد الله بن ميمون القداح، فإن أهل/العلم بالأنساب وغيرهم يعلمون أنه ليس لهم نسب صحيح، وقد شهد بذلك طوائف أهل العلم من أهل الفقه والحديث والكلام والأنساب، وثبت في ذلك محاضر شرعية، وهذا مذكور في كتب عظيمة من كتب المسلمين، بل ذلك مما تواتر عند أهل العلم‏.‏

وكذلك من وقف على ‏[‏الأشراف‏]‏، فإن هذا اللفظ في العرف لا يدخل فيه إلا من كان صحيح النسب من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وأما إن وقف واقف على بني فلان، أو أقارب فلان، ونحو ذلك، ولم يكن في الوقف ما يقتضي أنه لأهل البيت النبوي، وكان الموقوف ملكًا للواقف يصح وقفه على ذرية المعين؛ لم يدخل بنو هاشم في هذا الوقف‏.‏

 وسئل ـ قدس الله روحه ـ عن رجل بيده مسجد بتواقيع إحياء سنة شرعية بحكم نزول من كان بيده توقيعًا بالنزول ثابتًا بالحكام، ثم إن ولد من كان بيده المسجد أولاً تعرض لمن بيده المسجد الآن، وطلب مشاركته، ولم يكن له مستند شرعي غير أنه كان بيد والده، فهل يجوز أن يلجأ إلى الشركة بغير رضاه‏؟‏

فأجاب‏:‏

/الحمد لله، لا يجوز إلزام إمام مسجد على المشاركة ـ والحالة هذه ـ ولا التشريك بينهما، أو عزله بمجرد ما ذكر، من كون أبيه كان هو الإمام، فإن المساجد يجب أن يولي فيها الأحق شرعًا، وهو الأقرأ لكتاب الله، والأعلم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الأسبق إلى الأعمال الصالحة، مثل أن يكون أسبق هجرة، أو أقدم سنًا، فكيف إذا كان الأحق هو المتولي‏؟‏ ‏!‏ فإنه لا يجوز عزله باتفاق العلماء‏.‏ والله أعلم‏.‏

 وسئل عن مدرسة وقفت على الفقهاء والمتفقهة الفلانية، برسم سكناهم، واشتغالهم فيها، فهل تكون السكني مختصة بالمرتزقين‏؟‏ وهل يجوز إخراج أحد من الساكنين مع كونه من الصنف الموقوف عليه‏؟‏

فأجاب‏:‏

لا تختص السكني والارتزاق بشخص واحد، وتجوز السكني من غير ارتزاق من المال، كما يجوز الارتزاق من غير سكني، ولا يجوز قطع أحد الصنفين إلا بسبب شرعي - إذا كان الساكن مشتغلاً - سواء كان يحضر الدرس أم لا‏.‏

/ وسئل ـ رحمه الله ـ عن رجل ملك إنسانًا أنشابَا قائمة على الأرض الموقوفة على الملك المذكور وغيره أيام حياته، ثم بعد وفاته على أولاده، وعلى من يحدثه الله من الأولاد من الذكور والإناث بينهم بالسوية، على أن من توفي منهم وترك ولدًا كان نصيبه من الوقف إلى ولده، أو ولد ولده وإن سفل، واحدًا كان أو أكثر، ذكرًا كان أو أنثي، من ولد الظهر والبطن، يستوي في ذلك الذكور والإناث، وإن توفي ولم يكن له ولد ولا ولد ولد ولا أسفل من ذلك؛ كان نصيبه من ذلك مصروفًا إلى من هو في درجته، مضافَا إلى ما يستحقه من ريع هذا الوقف، فإن لم يكن له أخ، ولا أخت، ولا من يساويه في الدرجة؛ كان نصيبه مصروفًا إلى أقرب الناس إليه، الأقرب فالأقرب من ولد الظهر والبطن، تحجب الطبقة العليا الطبقة السفلي، من ولد الظهر والبطن بالسوية، إلى حين انقراضهم، فإن لم يبق أحد يرجع بنسبه إلى الموقوف عليه، لا من جهة الأب، ولا من جهة البنت؛ كان مغل الوقف مصروفًا إلى الفقراء والمساكين بثغر دمياط المحروسة، والواردين إليه، والمترددين عليه يفرقه الناظر على ما يراه، ثم على أسارى المسلمين‏.‏

/فمن أهل الوقف الأول أحد البنات توفيت ولم يكن لها ولد أخذ إخوتها نصيبها، ثم ماتت البنت الثانية ولها ابنتان أخذتا نصيبها، ثم بعد ذلك ماتت البنت الثالثة ولم يكن لها ولد أخذت أختها نصيبها، ثم بعد ذلك ماتت الأخت الرابعة فأخذوا لها الثلثين؛ فهل يصح لأولاد خالته نصيب معه أم لا‏؟‏

فأجاب‏:‏

الحمد لله رب العالمين، البنت الأولى انتقل نصيبها إلى إخوتها الثلاثة، كما شرطه الواقف، لا يشارك أولاد هذه لأولاد هذه في النصيب الأصلى الذي كان لأمها، وأما النصيب العائد ـ وهو الذي كان للثالثة وانتقل إلى الرابعة ـ فهذا يشترك فيه أولاد هذه وأولاد هذه، كما يشترك فيه أمهما، هذا أظهر القولين في هذه المسألة‏.‏

وقيل‏:‏ إن جميع ما حصل للرابعة وهو نصيبها، ونصيب الثالثة ينتقل إلى أولادها خاصة؛ لأن الواقف قال‏:‏ وإن توفي، ولم يكن له ولد ولا ولد ولد ولا أسفل من ذلك كان نصيبه مصروفًا إلى من في درجته، مضافًا إلى ما يستحقه من ريع الوقف‏.‏ قالوا‏:‏ فالمضاف كالمضاف إليه، فإذا كان هذا ينتقل إلى أولاده فكذلك الآخر؛ لأن قول الواقف‏:‏ من مات منهم وترك ولدًا كان نصيبه من الوقف إلى ولده يتناول الأصلى والعائد‏.‏

والأظهر هو القول الأول، فإن قوله‏:‏ كان نصيبه، يتناول النصيب/الذي تقدم ذكره، وأما تناوله لما بعد ذلك فمشكوك فيه، فلا يدخل بالشك، بل قد يقال‏:‏ هذا هو في الأصل نصيب الميت عنه، كما ذكر الواقف، والظاهر من حال الواقف لفظًا وعرفًا أنه سوي بين الطبقة في نصيب من ولد له ولد، فأخذه المساوي بكونه كان في الطبقة، وأولاده في الطبقة، كأولاد الميت الأول، فكما أن الميتين لو كانا حيين اشتركا في هذا النصيب العائد، فكذلك يشترك فيه ولدهما من بعدهما، فإن نسبتهما إلى صاحب النصيب نسبة واحدة‏.‏

وهذا هو الذي يقصده الناس بمثل هذه الشروط، كما يشهد بذلك عرفهم وعادتهم، والمقصود إجراء الوقف على الشروط الذي يقصدها الواقف؛ ولهذا قال الفقهاء، إن نصوصه كنصوص الشارع ـ يعني‏:‏ في الفهم والدلالة ـ فيفهم مقصود ذلك من وجوه متعددة، كما يفهم مقصود الشارع‏.‏

ومن كشف أحوال الواقفين علم أنهم يقصدون هذا المعني، فإنه أشبه بالعدل، ونسبة أولاد الأولاد إلى الواقف سواء، فليس له غرض في أن يعطي ابن هذا نصيبان أو ثلاثة لتأخر موت أبيه، وأولئك لا يعطون إلا نصيبًا واحدًا، لا سيما وهذا المتأخر قد استغل الوقف، فقد يكون خلف لأولاده بعض ما استغله، والذي مات أولاً لم يستغله إلا قليلاً، فأولاده أقرب إلى الحاجة، ونسبتهما إلى الواقف سواء، فكيف يقدم من هو أقرب إلى الحاجة/ إلى من هو أبعد عنها وهما في القرب إليه وإلى الميت صاحب النصيب ـ بعد انقراض الطبقة ـ سواء‏؟‏‏!‏

وهو كما لو مات صاحبه آخرًا، ولو مات آخرًا اشترك جميع الأولاد فيه، بل هذا يتناوله قول الواقف‏:‏ إن توفي ولم يكن له ولد ولا ولد ولد كان نصيبه مصروفًا إلى من هو في درجته، فإن لم يكن له أخ ولا أخت ولا من يساويه في الدرجة، فيكون نصيبه مصروفًا إلى أقرب الناس، وكلهم في القرب إليه سواء‏.‏ والله أعلم‏.‏